تقول الكاتبة لورنا تايجوستوب في المقابلة التي اجرتها مع الباحث جورغان براور والمنشورة في موقع تشرونوغرام في تموز 2009 " بعد حرب الخليج احتشد الناشطون المعارضون 

للحرب في الغرب ليقفوا ضد استخدام اليورانيوم المنضب من قبل الولايات المتحدة في تلك الحرب وتمسكوا لسنوات برأيهم القائل بان اليورانيوم هو السبب وراء تفشي الامراض السرطانية في جنوب العراق، لكن وجهة نظر جديدة تقول بان انبعاثات المصانع غير المراقبة ومياه المجاري غير المعالجة والملوثات الاخرى التي تصب في نهري دجلة والفرات وتصل الى مناطق الاهوار، هي المسؤولة عن تفشي السرطان، كما ان عملية جفاف الاهوار لم تتسبب في مغادرة مئات الآلاف من الاشخاص لتلك المناطق، بل انها قد قامت بالقضاء على نبات القصب الذي يعمل كمرشح بايلوجي طبيعي لهذه المياه الامر الذي دفع بالملوثات الى التجمع في برك راكدة يشرب منها الناس ويستحمون فيها. لقد وصل التلوث في مياه النهرين الى مناطق ابعد في الخليج العربي ليترك تأثيراً سيئاً على الحياة لبحرية.                         
ومن اجل القيام بمعالجات سريعة ومهمة للبيئة العراقية وتخليصها من تأثيرات الحروب والسياسات البيئية الخاطئة التي اتبعت في حقبة الحكم الصدامي، انفقت الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية مبالغ كبيرةيقول ستيفن ليهي من وكالة انتر بريس للانباء ان الولايات المتحدة وحلفائها قد انفقوا 22 مليار دولار حتى آيار 2007 لانعاش واعادة تاهيل البيئة العراقية، لكن تلك البيئة بقيت في وضع كارثي. وينقل عن عزام الواش رئيس منظمة" طبيعة العراق" قوله ان نهري دجلة والفرات هما في الاساس مجرورين مفتوحين. فالفضلات الصناعية وفضلات المستشفيات والاسمدة المتخلفة عن عملية الزراعة والتسربات النفطية كلها تصب في هذين النهرين الذين يوفران الماء للسقي والشرب".
ويضيف الواش" لقد تدمرت البيئة الطبيعية العراقية نتيجة لثلاثة حروب خاضها البلد ونتيجة لعقود من الاهمال وسوء الادارة تحت حكم صدام. لقد كانت القوانين البيئية في ذلك الوقت اضحوكة وكانت المعامل المملوكة للدولة تقوم بالتلويث كيفما شاءت".
وفي ذات السياق تقول وزيرة البيئة العراقية نرمين عثمان في مقابلة اجرتها معها وكالة تيراميركا للانباء في عام 2007 " عندما يتعلق الامر بالبيئة، فقد ورثنا وضعاً فظيعاً".
لم يتوقف الأمر عند انتهاء الحروب، بل تعداه ليصل الى تأثير العمليات الارهابية واعمال العنف على البيئة العراقية. فالتفجيرات التي تحدث تعني وجود المزيد من الانقاض التي تتضمن البنايات المدمرة والسيارات والعجلات العسكرية التي يجب جمعها وخزنها في اماكنتتحول نتيجة لهذا الخزن الى مناطق تلوث ساخنة.
وشخصت دراسة اجرتها وزارة البيئة العراقية وبرنامج الامم المتحدة البيئي في عام 2005 ، وجود 50 موقعاً ساخنا يعاني من التلوث، مقدرة المبلغ المطلوب لمعالجة تلك المواقع وتنظيفها بحوالي 40 مليون دولار، لكن عزام الواش يرى ان التنظيف والمعالجة يجب ان تطال 500 موقع صناعي حكومي هي في الاساس مواقع يمكن تصنيفها بانها مواقع عالية التلوث يجب ان تضاف الى المواقع التي تعدادها 1420 موقعاً والتي تصنفها الأمم المتحدة على انها عالية التلوث.
ولا يقتصر التلوث البيئي في العراق على جانب معين كجانب المياه او التربة، بل تعداه ليصل الى البيئية الهوائية وذلك هو ما اشارت اليه وزيرة البيئة نرمين عثمان حين قالت في المقابلة نفسها" تلوث الهواء سيئ للغاية وهو يتحول نحو الاسوأ".



الحروب والبيئة والتلوث
كان لحرب الخليج الاولى تأثير مخيف على البيئة في المنطقة برمتها وليس على العراق فقط. ويقول تقرير نشرته وكالة انباء السي أن أن في عام 1999 "لقد كان العراق مسؤولا بصورة متعمدة عن اطلاق 11 مليون برميل من النفط الى مياه الخليج العربي للفترة من كانون الثاني الى آيار 1991 ، متسببا في تلويث 800 ميل من الشواطئ السعودية والكويتية التي قدر المبلغ الذي تطلبه تنظيفها بحوالي 700 مليون دولار".
في وقت لاحق قالت الأمم المتحدة ان نصف الآبار النفطية الكويتية البالغ عددها 1330 بئراً قد تم اشعالها، فيما انتشرت ألسنة اللهب والدخان الاسود الناتج عن الحرائق لمسافة مئات الأميال متسببة بتأثيرات فظيعة على البشر والبيئة.
ويرى جيفري سيت كلير و جوشوا فرانك في مقالتهما المعنونة" الازمة البيئية العراقية"، ان القوات العسكرية الغربية وبالاخص قوات الولايات المتحدة مسؤولة هي الاخرى عن تخريب البيئة في الخليج لأنها قامت في بدايات التسعينيات بأغراق قرابة 80 سفينة تنقل النفط الخام العراقي من اجل تطبيق العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة على البلد. وافضى اغراق هذه السفن الى القضاء على كميات غير معلومة من الاحياء المائية والطيور البحرية.
وتسبب القصف الجوي والصاروخي في تلويث التربة والهواء والمياه بمخلفات اليورانيوم المنضب المستخدم في القذائف. فخلال حرب الخليج الاولى وحدها قامت الولايات المتحدة بضرب اهداف عراقية بأكثر من 970 قنبلة وصاروخا مشعا. وظهرت تاثيرات هذا القصف بعد انتهاء الحرب وتمثلت في انتشار الامراض السرطانية وبالاخص اللوكيميا او ما يسمى اصطلاحا بالموت الابيض. فقد تضاعفت الاصابات باللوكيميا منذ عام 1990 الى 2007 بنسبة 600 بالمئة.
وتستخدم الاسلحة المنظبة في القذائف الخارقة للدروع وحين تنفجر احدى هذه القذائف يتأكسد اليورانيوم المخضب الموجود فيها متحولا الى شظايا مكروسكوبية تطوف في الهواء وتبقى في الجو لعقود من الزمن. وعند استنشاق هذه الجزيئات تلتصق بأنسجة الرئة لتقوم في نهايةالمطاف بنشر الدمار في الجسم وتشكيل الاورام واصابة الجهاز المناعي ونشر اللوكيميا.
ويقدر العلماء ان اليورانيوم المنضب يمتلك متوسط حياة تبلغ 40 مليار سنة، اي بقدر حياة الارض. ويتوقعون ان مساحات شاسعة من الاراضي في مناطق البلقان والكويت وجنوب العراق ملوثة بهذا العنصر.
اما في الحرب الاخيرة فقد اشعلت القوات العراقية في اليوم الثاني للغزو النار في العديد من الآبار النفطية الكبيرة. ويقول هانز بليكس الرئيس السابق للجنة التفتيش عن الاسلحة في العراق، ان معطيات برنامج الامم المتحدة البيئي قد اظهرت وجود مقادير كبيرة من الدخان السام المنبعث من الآبار المحروقة. هذا الدخان ناتج عن اختلاط النفط في تلك الآبار بالموادالكيميائية السامة كالزئبق والكبريت التي يمكن ان تتسبب بأضرار صحية شديدة.
ووفقا لما تقوله منظمة اصدقاء الارض الدولية ،فأن مخلفات أحتراق الآبار النفطية قد خلقت طبقة سامة على سطح مياه الخليج أثرت على  صحة الطيور والحيوانات البحرية لفترة طويلة. ويقول مايك ايفنز من منظمة بيردلايف ان سواحل الخليج العربي هي واحدة من خمس مناطق تعد الاهم بالنسبة للطيور البحرية ومنطقة مهمة لتكاثر تلك الطيور، بينما تعد 33 منطقة مائية في العراق من اهم المناطق لبقاء انواع مختلفة من الطيور وعدم انقراضها، لكن السدود والجفاف في نهري دجلة والفرات قد اسهما في جفاف 90 بالمئة من مناطق الاهوار التي تضم هذه المسطحات وفي اختفاء انواع مختلفة من الحيوانات البحرية والبرية والطيور.

 



البيئة وتأثيرها على الحياة العامة
في زيارته الاخيرة الى العراق ، اضطر نائب الرئيس الاميركي جون بايدن الى الغاء زيارة مخطط لها الى منطقة كردستان للقاء الرئيس جلال الطالباني وذلك نتيجة للعواصف الترابية التي اجتاحت البلد، كما اضطرت وزارة النفط العراقية الى تأجيل عملية المزايدة على تطوير ثمانية من الحقول النفطية للسبب نفسه.
ونتيجة لتلك العواصف طالبت وزارة الزراعة العراقية المواطنين بمحاربة التصحر وناشدت الرعاة بتقليل الضرر الذي تحدثه قطعانهم التي ترعى في المناطق العشبية القليلة الموجودة في المناطق الصحراوية المحيطة بالمدن.
وينقل موقع ايرث تايمز عن  فاضل الفريجي رئيس قسم مكافحة التصحر في وزارة الزراعة قوله" ان البدو في الصحراء وانتزاع الغطاء النباتي للتربة وزراعة محاصيل الحبوب في مناطق اعتباطية وبأسلوب غير منتظم هي المسؤولة عن عملية التصحر. كما انه ومنذ عام 1991 كانت العجلات العسكرية تتحرك عبر المناطق الصحراوية متسببة بازالة الطبقة السطحية السميكة للتربة في المناطق الصحروية معرضة ايها للتعرية بفعل الرياح ومدمرة مناطق الشجيرات. وقد  تعمقت المشكلة بعد عمليات عام 2003 ".
واثرت تلك العواصف بدورها على امدادات الطاقة الكهربائية في البلد. ويقول وزير الكهرباء كريم وحيد" لقد اثرت العواصف على انتاج الطاقة الكهربائية لان الغبار يؤدي الى انسداد الفلاتر العملاقة المستعملة لفلترة الهواء القادم الى حقول الطاقة العاملة بالغاز. وبذلك فنأننا نضطر الى اغلاق تلك الحقول لتنظيف وتغيير تلك الفلاتر. في العادة نقوم بتنظيف الفلاتر مرة في السنة، لكن الطقس جعل من الأدامة امراً ملحاً. ويتطلب التنظيف ساعات من العمل ويضطرنا الى اغلاق حقل الطاقة لمدة 10 ساعات".
ولتلافي عملية التصحر والعواصف الترابية شرعت السلطات العراقية بحملة تشجير في عدة محافظات وبالاخص في وسط وجنوب العراق. وبحسب وزارة الزراعة العراقية فان الحملة تهدف الى تبني اساليب فاعلة لتقليص تأثير العوامل الطبيعية وارتفاع درجات الحرارة وايجاد بيئة مناسبة من خلا المحافظة على الطبقة العلية من التربة وحماية الاراضي الزراعية من التصحر.
وكانت عملية التصحر وما رافقها من جفاف وانخفاض في مناسيب مياه نهري دجلة والفرات قد اسهمت في التقليل من الناتج الزراعي الوطني. ويقول موقع ايدرو على شبكة الانترنت ان العراق قد دخل السنة الثالثة من القحط الذي تمثل بجفاف الابار ومناطق الاهوار وضفاف الانهار ما ادى الى تحول الاراضي الزراعية الى صحارى والى موت الاشجار والنباتات والى تحويل ما كانت اخصب اراضي المنطقة الى ارض بور.
وهذا بدوره نتج عنه انخفاض في المحاصيل الزراعية وهو اما جعل العراق الذي كان مصدراً لتلك المحاصيل ان يستورد ما نسبته 80 بالمئة من احتياجاته من المواد الغذائية مستعملاً في شرائها الاموال التي كان من المفترض ان تتحول باتجاه مشاريع اعادة الاعمار.
وبحسب وزارة الزراعة فان هذا الانخفاض جاء بسبب تحول 90 بالمئة من الاراضي الزراعية الى مناطق صحراوية او تعرضها الى عملية تصحر حالياً حيث ان 5 بالمئة من الاراضي المتبقية تتحول الى صحارى سنوياويقول مدير قسم مكافحة التصحر في الوزارة ان "التصحر هو شبيه بالسرطان الذي يصيب الانسان. وعندما تفقد الارض غطائها النباتي، فمن الصعب استعادته ويتوجب عليك التعامل معها متراً فمتر".
وتقول صحيفة لوس انجلوس تايمز في تقرير نشرته مؤخراً، إن العواصف الترابية هي فقط احدى المشاكل الكبرى التي يواجهها العراق ، لكنها ليست المشكلة الوحيدة. فتأثيرات المناخ والجفاف والتلوث البيئي تعدت ذلك لتصل الى مياه الشرب التي صارت شحيحة في الكثير من المناطق في جنوب العراق حيث ترشح مياه المجاري الى الانهار الاخذة بالنضوب هناك، كما ان الاهوار هي الاخرى تعاني من عملية جفاف مما اجبر السكان المتواجدين في تلك المنطقة لاى هجرها.
وتظهر صور الاقمار الاصطناعية ان الاهوارالتي كانت تغطي مساحة 20 ألف كيلو متر مربع قد تقلصت خلال السنوات العشر الاخيرة لتصل الى 15 بالمئة من حجمها الاصلي.

 



تأثير التحولات البيئية على الحياة البرية في العراق:
في نيسان من هذا العام اجرت منظمة طبيعة العراق التي يرأسها الدكتور عزام الواش، مسحها الشتوي الخامس للمناطق المهمة للحياة البرية في البلد. ومن بين الانواع الحياتية المختلفة التي تعد مهددة بالانقراض عالميا، اكتشف المسح وجود نوع جديد شبه مستوطن من حيوان ثعلب الماء في العراق لم تتم مشاهدته مسبقاً وكان يعتقد باته قد انقرض من مناطق الاهوار.
وكانت منظمة طبيعة العراق ومنذ عام 2005 ، تعمل مع وزارة البيئة العراقية للقيام بمسوحات وعمليات مراقبة للمناطق ذات التنوع البايلوجي الرئيسة في البلد. وغطى الاستطلاع الاخير 65 موقعا - 12 منها في اقليم كردستان و 53 في وسط وجنوب العراق- من ضمنها 14 موقعا جديداً.
وينقل موقع انفيرومينت نيوز سيرفس عن ابراهيم الخادر مدير قسم الشرق الاوسط في منظمة بيرد لايف" عمل فريقان تابعان لنا بجد في هذا المسح لتسجيل الحياة البيئية الفريدة في العراق وسوف نستمر في دعم منظمة بيئة العراق من اجل تغطية كل المناطق المهمة للحياة البرية".
ويقول الواش " تعد اهوار بلاد الرافدين ذات اهمية خاصة للطيور المائية المهاجرة شتاء، بل انها احد اهم المسطحات المائية في الشرق الاوسط، اذا لم تكن في العالم وهي جوهرية للحفاظ على الكثير من انواع الطيور واصناف الحيونات البرية الاخرى”. 
ويضيف" لعدة قرون كانت منطقة الاهوار اساساية في انتاج السمك والرز قبل ان يتم تجفيف 90 بالمئة منها من قبل صدام حسين. في تلك الفترة ارتفع معدل درجات الحرارة في المنطقة 5 درجات مئوية فوق معدله المعتاد".
وبحسب المنظمة فان المسطحات المائية وحتى وقت قريب كانت تغطي مساحة 9 آلاف كيلو متر مربع- قرابة نصف حجمها الطبيعي- الامر الذي جعل من عملية المسح صعبة تمثل تحدياً للفرق التي تقوم بالعمل الميداني، لكنها اخذت بالتقلص مرة اخرى بسبب الجفاف وبناء السدود على نهري دجلة والفرات. ويقول الدكتور الواش" لقد تمت اعاقة تدفق المياه بواسطة السدود التي بنيت في تركيا والعراق وسوريا
ولن يعود التدفق الطبيعي ما لم تتم ادارة السدود التي هي خارج العراق بصورة فاعلة ومع ذلك فان منظمة بيئة العراق تعكف الأن على وضع خطة لادارة المياه في وقت الجفاف".

 



حقائق وارقام:
يقول موقع نيشون ماستر المهتم بقضايا البيئة في البلدان المختلفة ان العراق يمتلك 0 بالمئة من الحماية الخاصة بالانواع المعرضة للانقراض حيث يضعه ذلك في المرتبة رقم 113 من بين 141 دولة يغطيها الموقع. وتمثل اراضي الغابات في البلد ما نسبته 1.88 بالمئة من مساحة العراق وهي نسبة تضعه في المرتبة رقم 179 من بين 195 دولة
ويوجد في العراق 81 نوعا من الثديات المعروفة وهو بذلك الدولة رقم 106 من بين 145 دولة. وتبلغ كمية الاسماك البحرية التي يجري اصطيادها في البلد 13.093 طناً وهو ما يجعل العراق في المرتبة 84 في صيد الاسماك من بين 141 دولة. ويبعث العراق 0.31 ألف طن متري مربع من الغازات الملوثة للبيئة مما يجعل العراق الدول رقم 52 من حيث هذه الانبعاثات من بين 141 دولة اخرى
وبلغت نسبة التلوث بثاني اوكسيد الكاربون في عام 1999 حوالي 20.262 الف طن متري مربع ونسبة التلوث بغاز بغازSO2  حوالي 580 طم متري مربع. وبلغ عدد الانواع البرية المعرضة للانقراض 25 نوعا وهو ما يضع العراق في المرتبة 79 من بين 158 دولة تحوي انواعاً معرضة للانقراض.

المصدر عادل حمود

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

دستور اقليم كردستان باللغة الكردية

دستور اقليم كردستان باللغة العربية